naheyah.com

التوجيه والإرشاد لرواد الأعمال: مفتاح لتسريع النمو وتجنب الأخطاء

رائد الأعمال، خاصة في بداية مشواره، يواجه تحديات معقدة ومتعددة الجوانب. بدءًا من صياغة نموذج العمل وجذب العملاء، وصولًا إلى إدارة التدفقات النقدية وبناء الفريق – كلها مهام جديدة ومصيرية. في خضم هذا الطريق الوعر، يبرز التوجيه والإرشاد (Mentorship) كأحد العوامل الحاسمة التي يمكن أن تُحدث فرقًا جوهريًا بين شركة ناشئة تتخطى الصعاب وأخرى تتخبط وربما تتعثر. وجود مرشد متمرس بجانب رائد الأعمال بمثابة وجود بوصلة توجهه في القرارات المفصلية وتنير له ما قد يكون معتمًا من زوايا المشروع. وقد أظهرت دراسات ميدانية أن الشركات الصغيرة التي تتلقى الإرشاد حققت نجاحات أكبر بكثير من نظيراتها. على سبيل المثال، وجد استطلاع لـUPS أن 70% من الأعمال الصغيرة التي حصلت على توجيه استمرت لأكثر من خمس سنوات، وهذه ضعف نسبة بقاء الشركات بدون توجيه . هذه النسبة الكبيرة تعكس تأثير الإرشاد المباشر في رفع معدلات البقاء والنمو للشركات الناشئة، حيث يُعزى ذلك إلى تفادي الكثير من الأخطاء القاتلة والتعلم من خبرات الآخرين.

دور المرشد وما يقدمه لرائد الأعمال

المرشد في عالم ريادة الأعمال هو شخص ذو خبرة أعمق في مجال الأعمال – قد يكون رائد أعمال نجح مسبقًا، أو مدير تنفيذي مخضرم، أو مستشار متخصص – يلتزم بتقديم النصح والتوجيه لصاحب المشروع الجديد. يختلف دور المرشد عن المستثمر أو الشريك؛ فالمرشد لا يهدف إلى الربح المالي المباشر من المشروع، وإنما إلى نقل الخبرة والمعرفة ودعم رائد الأعمال معنويًا وفكريًا. هذا الدعم يمكن أن يتجسد في صور متعددة:

          •         النصيحة الاستراتيجية: يمتلك المرشد منظور “الصورة الكبرى” نتيجة تجاربه السابقة. يمكنه مساعدة رائد الأعمال في صياغة خطة العمل ورؤية النمو بعيدة المدى، وتصويب الاستراتيجية حين يلاحظ انحرافًا عن الأهداف الأساسية. مثلاً، قد ينبه المرشد إلى ضرورة التركيز على فئة محددة من العملاء بدل التشتيت على شرائح عديدة في البداية.

          •         تجنب الأخطاء الشائعة: كثيرًا ما مرّ المرشد بمواقف شبيهة بما يواجهه المشروع الجديد، لذا بإمكانه تحذير رائد الأعمال من مطبات معينة قبل الوقوع فيها. على سبيل المثال، قد يحذر المرشد من التسرع في التوسع الجغرافي قبل تثبيت نموذج عمل ناجح محليًا، مستشهدًا بتجربته السابقة عندما توسع مبكرًا وفشل.

          •         توسيع شبكة العلاقات: من أعظم قيم الإرشاد أن المرشد يفتح أبوابًا في الصناعة وخارجها عبر شبكة علاقاته الواسعة. يمكن أن يُعرّف رائد الأعمال بمستثمرين محتمَلين، أو عملاء كبار، أو موردين موثوقين. هذه العلاقات قد تستغرق من رائد الأعمال سنوات لبنائها وحده، في حين أن المرشد يقدمها له كطريق مختصر نتيجة سمعته ومكانته.

          •         الدعم النفسي والمعنوي: ريادة الأعمال رحلة مليئة بالضغوط والشكوك. وجود شخص ذي خبرة يساند رائد الأعمال معنوياً له تأثير إيجابي كبير. فالمرشد يقدم التشجيع وقت الإحباط، ويعيد التذكير بالأهداف عند التشتت، ويشارك قصصًا عن فترات صعبة مر بها وكيف تجاوزها. هذا يمنح رائد الأعمال الثقة والصمود لمواصلة المشوار.

          •         تنمية المهارات القيادية: قد يساعد المرشد رائد الأعمال على تطوير مهاراته الشخصية في القيادة والإدارة. من خلال التغذية الراجعة (Feedback) الصادقة، يمكن للمرشد أن يشير إلى نقاط ضعف في أسلوب الإدارة أو التواصل لدى رائد الأعمال ويقترح سبلًا لتحسينها. إنه بمثابة مدرب شخصي يصقل قدرات رائد الأعمال القيادية بمرور الوقت.

تأثير الإرشاد على نمو الأعمال واتخاذ القرارات

الأرقام والإحصائيات تدعم بقوة فكرة أن الإرشاد ليس مجرد كماليات، بل هو عنصر رئيسي في معادلة نجاح الشركات الناشئة. إلى جانب نسبة البقاء المذكورة أعلاه، أشارت دراسات أخرى إلى أن حوالي 88% من أصحاب الأعمال الذين لديهم مرشد يعتبرون أن الإرشاد لا يقدر بثمن في نجاح مشاريعهم . فالتوجيه يسرّع من منحنى التعلم لدى رائد الأعمال. ما قد يستغرق تعلمه بالخبرة والتجريب سنوات، قد ينقله المرشد خلال أشهر معدودة مستندًا إلى معرفته.

علاوة على ذلك، وجود المرشد يضفي منهجية أكثر رشادة على عملية اتخاذ القرار. فعندما يواجه رائد الأعمال قرارًا مصيريًا – مثل pivot في نموذج العمل، أو طرح منتج جديد، أو الدخول في شراكة – فإن مناقشة الأمر مع المرشد تضيف وجهة نظر موضوعية ومن زاوية مختلفة. المرشد غالبًا ما يطرح الأسئلة الصعبة التي ربما غفل عنها رائد الأعمال، مما يدفعه لتحليل الخيارات بشكل أشمل وأعمق. هذه العصف الذهني التوجيهي قد يكشف مخاطر خفية أو فرصًا بديلة لم تكن واضحة.

ومن المنظور الاستثماري، يُنظر عادةً إلى الشركات التي لديها مرشد أو مستشارين موثوقين نظرة إيجابية من قبل المستثمرين. لأنها إشارة إلى أن الفريق المؤسس منفتح للتعلم ويستفيد من أهل الخبرة، ما يعني تقليل احتمالية تكرار الأخطاء الجسيمة. بعض حاضنات ومسرّعات الأعمال العالمية تجعل وجود مرشد جزءًا أساسيًا من برامجها، وتربط كل شركة ناشئة بموجّه محترف طوال فترة الاحتضان، إدراكًا منها لقيمة الإرشاد في زيادة فرص نجاح الشركة وجذب الاستثمار.

كيف تجد المرشد المناسب وتبني علاقة ناجحة

اختيار المرشد المناسب ليس خطوة سهلة، لكنها تستحق الجهد. فيما يلي بعض الخطوات العملية للعثور على مرشد وبناء علاقة إرشادية مثمرة:

          •         تحديد احتياجاتك: قبل البحث عن مرشد، حدّد المجالات التي تشعر أنك بحاجة لدعم فيها. هل هي الجوانب المالية؟ التسويق والمبيعات؟ تطوير المنتج؟ أم المهارات الإدارية الشخصية؟ فهمك لنقاط ضعفك سيقودك للشخص المناسب.

          •         البحث ضمن الشبكات المهنية: ابدأ بمن تعرفه. ربما هناك رائد أعمال ناجح في مجالك، أو أستاذ جامعي لديه خبرة تطبيقية، أو مسؤول في حاضنة أعمال محلية. احضر فعاليات الشركات الناشئة والمؤتمرات، وكن مستعدًا لتقديم نفسك ومشروعك بشكل واضح ومختصر فيما يعرف بـElevator Pitch. قد تجد من يثيره حماسك وفكرتك ويوافق على توجيهك.

          •         الملائمة والانسجام: تأكد عند اختيار المرشد من وجود كيمياء تواصل جيدة بينكما. المرشد الجيد ليس فقط من يملك المعرفة، بل من يستطيع التواصل معك بفعالية ويفهم رؤيتك وطريقة تفكيرك. في اللقاءات الأولى، قيّم ما إذا كان يصغي لك جيدًا ويطرح أسئلة بنّاءة. هل تشعر بالراحة في النقاش معه؟ هذه نقاط مهمة لضمان علاقة طويلة الأمد.

          •         الاتفاق على توقعات واضحة: من المفيد منذ البداية وضع إطار للتواصل يناسب الطرفين. كم مرة ستلتقيان شهريًا؟ هل سيكون التواصل شخصيًا أم عبر الاتصال المرئي؟ ما المواضيع الأساسية التي ستغطيها الجلسات؟ وضع بعض القواعد البسيطة (دون تعقيد) يضمن أن تكون العلاقة منتظمة ومثمرة.

          •         الاحترام المتبادل والالتزام: تذكّر أن المرشد يستثمر من وقته الثمين لمساعدتك دون مقابل مباشر، وبالتالي من واجبك احترام هذا الوقت. احضر الاجتماعات مستعدًا، نفّذ التوصيات المتفق عليها أو ناقشها بصدق إن كانت لديك تحفظات، واستخدم وقت المرشد بحكمة في طرح أهم التحديات التي تواجهها. وفي المقابل، المرشد الجيد يلتزم أيضًا بجديّة بالعلاقة، فيكون متاحًا عند الحاجة (ضمن حدود المعقول) ويشارك خبرته بأمانة وانفتاح.

تجارب “ناحية”: كيف يصنع الإرشاد الفرق

في “ناحية”، لعب دور الإرشاد والتوجيه جزءًا أساسيًا من خدماتنا لرواد الأعمال. وقد شهدنا قصصًا ملهمة تثبت تأثير الإرشاد. على سبيل المثال، إحدى رائدات الأعمال التي عملنا على توجيهها كانت تدير مشروعًا تجاريًا منزليًا في مجال المأكولات وتطمح للتوسع. واجهت صعوبة في وضع خطة نمو واقعية وجذب التمويل. قام أحد مستشاري “ناحية” ممن لديهم خبرة في تطوير الامتيازات التجارية (Franchising) بتوجيهها. خلال ستة أشهر من اللقاءات الدورية والإرشاد العملي، تمكنت رائدة الأعمال من إعادة صياغة نموذج العمل ليتضمن إمكانية الامتياز التجاري، وأعدّت وثائق مالية وتسويقية أقوى. النتيجة أنها استطاعت تأمين شراكة استثمارية فتحت أول فرع لمشروعها خارج نطاق منزلها. تقول هذه الريادية إن الدعم المعنوي والعملي الذي وفره لها المرشد كان العامل الحاسم في جرأتها على اتخاذ خطوة التوسع.

مثل هذه التجارب تتكرر؛ فالتوجيه الصحيح في الوقت المناسب قد يختصر سنوات من التعثر. رسالة فريق “ناحية” لرواد الأعمال: لا تخشَ طلب المشورة، فالاستقلالية لا تعني أن تشق طريقك وحيدًا. وجود مرشد متمرس بجانبك هو بمثابة شريك خفي في نجاحك – شريك يريد أن يراك تزدهر وينقل شعلة المعرفة إليك. وفي ظل بيئة الأعمال الحالية المعقدة، قد يكون الإرشاد هو أفضل استثمار تقوم به لشركتك الناشئة على الإطلاق.